أوباما والعودة إلى ورقة العربدة الإسرائيلية

لا يستطيع أحد أن يعزل ما يجري من عربدة إسرائيلية عن سياق تداعيات الموقف الذي أطلقه الرئيس أوباما حول رؤيته للتجربة الأميركية في التعاطي مع ما سمّاه المعارضة، بقرينة أن العدوان الإسرائيلي وافتعال التصعيد حمل رسائل واضحة الدلالة بالبدائل الأميركية.

وهذا ما تترجمه المعطيات العملية في سياق الحضور الإسرائيلي المباشر على خط التصعيد، في عودة أميركية سريعة للورقة الإسرائيلية، بعد أن أعلن الرئيس أوباما بالفم الملآن احتراق الأوراق الأخرى وفشلها في تحقيق المشروع الذي كاد ينعاه البيت الأبيض مراراً تكراراً.‏

ما هو واضح أن الرئيس أوباما لم يعلن صراحة عن تعديل في المشروع، ولا تغيير في نمط الاستهداف، بقدر ما كان مزاوجة واضحة في اعتراف بفشل الأدوات والخيارات، وتدشين أو تبشير بالعودة إلى المربع الأول اعتماداً على الخيار الإسرائيلي، حيث تجر المحاكاة الاولى لما طرحه إلى الجزم بأن الحسابات والمعادلات القائمة بدت مغايرة تماماً لتركيبة ما انطلقت فيه بداية.‏

العاصفة التي أثارتها تصريحات الرئيس الأميركي حول ما يجري في سورية لا تبدو قابلة للهدوء والسكينة في وقت قريب، بفعل أن الكثير من تداعياتها سيكون خارج سياق الأخذ بمضمونها، رغم أنها صادمة حتى في شكلها ومضمونها للكثيرين ممن باعوا في الوهم واشتروا، وراحوا يراهنون على سراب الحسابات والتمنيات.‏

الصدمة هنا ليست بفعل ما تنطوي عليه من اعترافات حمالة أوجة وقابلة للتفسير المتباين في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، بل هي بالإسقاطات السياسية التي شغلت حيزاً أوسع بكثير مما هو متاح لها على مستوى التفاعل مع مجرياتها، والتي اندفعت باتجاه التحليل، ووصلت إلى حد التفسير بأنها مرحلة قطيعة مع الماضي وما اقتضته من سياسة أميركية بالغت في تبني المنظمات المتطرفة، وحتى التي تم تصنيفها أميركيا بأنها إرهابية.‏

في التوقيت، يبدو صعباً إخراجها بعيداً عن سياق التطورات الأخيرة، وإن لم تكن المسائل بذلك الارتباط الشائك معها، غير أنها في السياق الآخر تبدو متداخلة إلى حد الخلط مع مقتضيات ومفاعيل التدهور الحاصل في الحسابات الأميركية، لجهة اعتمادها على زاوية الرؤية المقدمة من الوكلاء الإقليميين لما يجري والوسائل المعتمدة لتنفيذها، وكانت العودة إلى الورقة الإسرائيلية تدشيناً لمرحلة إضافية من النفاق الأميركي في تدوير الزوايا والأدوات، وربما الأهداف في بعض الحالات.‏

لن ندخل في جدال حول تفاصيل الدوافع الأميركية المحضة، التي سجلت حضوراً لا يصلح بكل تفاصيله للتعويل عليه سياسياً، لكنه في الإطار العملي لقياس ترددات الموقف الأميركي يمكن أن يقدم تفسيراً أولياً لحالة العرج التي تنتاب المواقف الأخرى، بدليل أن القراءات المتسرعة بدت انفعالية في التقاط المشهد رغم محاولاتها المستميتة للتقليل من الاجتهادات داخلها، وهي تشعر بالأصابع الأميركية وقد بدأت رحلة سحب الخيوط من الأدوات والوكلاء الإقليميين ووضعها في السلة الإسرائيلية التي ما برحت تمارس اللعب بالنار في كل الاتجاهات.‏

في مفارقات المشهد، أن الأميركي الذي يعترف بضياع سنوات من محاولاته خلف ترتيب مشهد الخرائط الافتراضية في المنطقة، يعود إلى رهانه الأخير على إسرائيل لتعويض ما فشل به وكلاؤه المعتمدون في أوروبا، وعجز مرتزقته في المنطقة مع مموليهم ورعاتهم وحاضنيهم.‏

وحين تحضر إسرائيل عبر العربدة تبدو الرسائل متداخلة، لكنها تقدم وضوحاً في الخيار الأميركي الجديد بأن الحاجة إلى الأدوات في المنطقة لم تعد الأولوية، والحفاظ على أدوارها الوظيفية هو الآخر موضع نقاش إضافي يعتمد بالدرجة الأولى على الحاجة الإسرائيلية لوجوده أكثر مما تحدده الرؤية الأميركية، التي ستبقى رهينة وكالاتها الجديدة والقديمة على حد سواء، وإن كانت أولى عناوينها تقود إلى الجزم بأنها حين لوحت بموسى حلاقتها لمرتزقة الإرهاب.. فإن على داعميهم ومسوقيهم أن يبلوا ذقونهم!!‏

بقلم: علي قاسم