مركز رعاية الوليد بطرطوس: نقص المواد وقطع الغيار تحديات فرضتها الأزمة

طرطوس-سانا

يتزايد الاهتمام بالكشف المبكر عن الإعاقات الخلقية مع إثبات جدواه الصحية والاقتصادية المتمثلة بحماية مستقبل الطفل ومنع تحوله إلى عبء اجتماعي فضلا عن توفير التكلفة العالية للتدخل المتأخر وإعادة تأهيل الطفل المعوق على المدى البعيد.

وفي ظل مخاطر ازدياد حالات الإعاقة الخلقية الناجمة عن الأزمة الراهنة في سورية برزت الحاجة لتأهيل مراكز رعاية حديثي الولادة لتستمر بعملها وتتمكن من مواجهة آثار العقوبات الاقتصادية التي تحول في كثير من الأحيان دون توافر بعض المواد اللازمة لإجراء التحاليل أو قطع الغيار لإصلاح بعض أجهزة الكشف المبكر.

وتنطبق هذه الصعوبات مع ما يواجهه مركز رعاية الوليد في مدينة طرطوس منذ افتتاحه في أيار 2011 دون أن يمنعه ذلك من ممارسة دوره حسب الإمكان مع طموح لإلزام جميع ذوي المواليد الجدد بعدم تسجيل أبنائهم في دوائر الأحوال المدنية قبل حصولهم من المركز على دفتر السجل الصحي المتضمن تقريرا عن حالة الوليد يثبت خلوه أو إصابته بأي إعاقة خلقية.

وحسب الدكتور محمد إبراهيم رئيس مركز رعاية الوليد الواقع في حرم مشفى التوليد بطرطوس فإن المركز مجهز لإجراء الفحص السريري لكشف الأمراض الخلقية المتظاهرة سريريا والكشف عن الأمراض القابلة للكشف مخبريا كفقر الدم المنجلي والتلاسيميا إضافة لفحوص الكشف عن الإعاقات السمعية والبصرية وصولا إلى قصور الدرق الخلقي المسبب للتخلف العقلي.

ويشير إبراهيم في حديث لنشرة سانا الصحية إلى أن حجم المواليد الشهري في المحافظة يتراوح بين 2500 إلى 3000 مولود في احصائيات المركز التي تعود لعام 2011 مؤكدا ارتفاع الرقم بسبب تضاعف عدد سكان المحافظة التي يسعى المركز لجذب أبناء أريافها البعيدة خصوصا لإجراء هذه الفحوصات.

ويوضح إبراهيم أن المركز وبسبب تواجده في المدينة واجه منذ انطلاقه إحجاما كثيرا من سكان هذه الأرياف عن زيارته لإجراء الكشف والحصول على دفتر السجل الصحي للوليد فكان أغلبهم يتوجهون إلى أمانات السجل المدني في مناطقهم لتسجيل أولادهم دون المرور بمرحلة الفحص وهو ما لم يستطع المركز معالجته إلى الآن بسبب تبعيته لمشفى التوليد الذي يعد هيئة مستقلة لا تملك سلطة إلزام المشافي وأمانات الأحوال المدنية برفض تسجيل الطفل دون حصوله على الدفتر.

وعن أبرز الحالات التي رصدها المركز يلفت إبراهيم إلى “اكتشاف نسبة هائلة من قصور الدرق الخلقي في طرطوس” حيث أن النسبة العالمية المعروفة هي إصابة واحد من بين ألفي مولود في المناطق الموبوءة وإصابة واحدة من بين أربعة آلاف مولود في المناطق غير الموبوءة بينما تشير نسبة هذا القصور في طرطوس إلى إصابة من بين كل مئتي مولود بحسب دراسات أجراها المركز على عينات عشوائية من مختلف مناطق المحافظة شملت 2700 طفل ظهرت بينهم 14 حالة قصور درق خلقي.

ويوضح الطبيب أن كل طفل ظهرت إصابته بهذا القصور كان موضوعا لدراسة علمية طبية لبحث الأسباب وفي أغلب الحالات تم اكتشاف إصابة الأم بأضداد الغدة الدرقية وهو ما يسمى بداء هاشيموتو واسع الانتشار في الساحل والذي يؤدي لالتهاب الغدة وتخريب خلاياها في حال أهمل العلاج وصولا إلى عبور الاضداد إلى الجنين عبر المشيمة فتتخرب خلايا الغدة الدرقية لديه جزئيا أو كليا.

ويؤكد إبراهيم أن هذا القصور أهم الأنواع المسببة للإعاقة في الساحل السوري ويسبب تخلفا عقليا متفاوت الدرجات إذا لم تتم معالجته فور اكتشافه علما أنه قابل للعلاج وبالتالي الوقاية من الإعاقة بدليل حالات كثيرة تتماثل نحو الشفاء مبينا أن أهم أسباب انتشار هذه الإصابة في الساحل هو نقص اليود من مياه الينابيع الكلسية الأمر الذي تمت مواجهته منذ عدة سنوات من خلال يودنة ملح الطعام لإدخال هذه المادة في الوارد الغذائي اليومي لأبناء المنطقة.

وفي مقابل أهمية كشف قصور الدرق الخلقي يشير الطبيب إلى “معاناة المركز حاليا من عدم توافر مادة إجراء التحليل ما يضطره إلى إحالة الأهل لإجرائه في مخابر خاصة بتكلفة عالية” إضافة إلى أن “تعطل جهاز البث الصوتي الخاص بكشف الإعاقة السمعية والعقوبات الاقتصادية التي تعقد اصلاحه في البلد المصنع يحول في الوقت الراهن دون إجراء هذا الكشف المهم”.

ويأمل رئيس مركز رعاية الوليد بطرطوس بإيجاد حلول بديلة لنقص المواد وقطع تغيير الأجهزة المعطلة مؤكدا أن توعية الأهل من خلال الندوات والمواد الإعلامية والتواصل المباشر في العيادات لها أثر كبير في تفعيل دور المجتمع بتعزيز ثقافة الكشف المبكر وهو ما يلمسه كوادر المركز حيث لم يتأخر الأهل يوما عن الالتزام بأي إحالة إلى المخابر الخاصة وإجراء التحليل المطلوب رغم ارتفاع التكاليف ما يؤكد وجود حرص غريزي وطبيعي لا يتطلب إلا النصيحة والتوجيه الطبي الصحيح.

رزان عمران