العدوان في خطة التقسيم والسقوط المنتظر-صحيفة الثورة

بعد فشل مخطط العدوان على سورية في تحقيق أهدافه بسبب صمودها في المواجهة والمناورة، دخل العدوان في مرحلة مراجعة تظاهر فيها أصحابه بالتسليم بالعجز عن إسقاط سورية والنية للاتجاه إلى حل سياسي يعطيهم شيئا مما يطمحون به عبر تفاوض ما، يرون الحاجة قبله إلى تحقيق ما سموه «إعادة التوزان» في الميدان.

ومن اجل «إعادة التوازن» اتخذت أميركا قرارها بتدريب وتسليح جماعات جديدة وطورت احتضانها ودعمها لجماعات إرهابية أخرى، بعد أن أطلقت عليهم تسمية «المعارضة السورية المعتدلة» لتستثمر الجميع في موجة عدوان جديدة وضعت خطتها التنفيذية بالاستناد إلى مثلث الجوار السوري (تركيا وإسرائيل والأردن)، خطة تمولها وتدعمها قطر والسعودية بالسلاح والإعلام بما يمكن من شن حرب نفسية مؤثرة.‏

وعملاً بالخطة تلك جمع على الجبهة الجنوبية ما سمي «الفيلق أو الجيش الأول» وعلى الجبهة الشمالية ما سمي «جيش الفتح»، وشكلت جبهة النصرة العمود الفقري للتشكيلين. وأرادت أميركا من التسميات الجديدة إخفاء اسم «جبهة النصرة» وتجاوز صفتها الإرهابية باعتبارها الفرع السوري من تنظيم القاعدة المؤكدة صفته الإرهابية دوليا.‏

وفي المضمون يبدو أن الخطة الجديدة تختلف عن سابقاتها من الخطط في أمرين أساسيين فرضتهما على ما نظن الضربات الموجعة التي وجهها استباقا الجيش العربي السوري وحلفاؤه والاستعدادات التي يتصاعد الحديث عنها في القلمون لتطهيره كليا من الإرهابيين، واستباقا لما سيكون عليه وضع المنطقة بعد توقيع الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني السلمي في أواخر حزيران المقبل، وهما:‏

– الأول يتعلق بخرائط الكيانات السياسية القائمة والاتجاه الجدي إلى التفتيت الممنهج، خلافا لما كانت الخطط السابقة تعتمده من المحافظة على الكيانات القائمة وإخضاعها بكل ما فيها ومن فيها للقرار الأميركي وتحويل المنطقة بكياناتها القائمة تلك إلى مستعمرة أميركية واسعة لا صوت معارض أو مقاوم فيها.‏

– أما الثاني، فتمثل بالسعي لامتلاك السيطرة الحصرية على قطاع أو أكثر في سورية لإقامة ما تسميه أميركا المشهد المتوازن الذي يمكنها من المناورة على طاولة التفاوض.‏

أما في التنفيذ فكان اتجاه إلى إعادة الترويج لمخططات التقسيم السابقة تحت ستار الفدرالية أو المركزية الواسعة و التي هي اقرب منها للكونفدرالية بين كيانات شبه مكتملة الاستقلال عن بعضها ، و لأجل ذلك يطرح في الكونغرس الأميركي الآن مشروع قانون التعامل المتعدد المسالك مع 3 كيانات عراقية شبه مستقلة، و في الاطار ذاته السعي التركي بقيادة أميركية لامتلاك السيطرة التامة على قطاع واسع في الشمال الغربي السوري يمتد من ريف اللاذقية إلى ريف حلب لإعلانه بلغتهم منطقة محررة تدخل اليها حكومة ما يسمى «الائتلاف الوطني السوري» و تمهد لاحقا للاعتراف الغربي بها في ظل التشكيك بشرعية الحكومة السورية القائمة وفقا لمقتضيات دستور البلاد و الإرادة الشعبية المعبر عنها بالانتخابات الدستورية‏

ولان أميركا تتعلم أن الوقت لتنفيذ خطتها تلك لا يتسع بشكل يجعلها تتمهل، فإنها رفعت (بذاتها أو عبر اتباعها وحلفائها) من وتيرة التصعيد والعمل على شتى الاتجاهات بما في ذلك الحرب النفسية غير المسبوقة لاقتياد الخصم إلى الوهن المفضي للتسليم لها.‏

هذا ما يفسر ما قامت به جبهة العدوان على سورية مؤخرا من الدخول إلى إدلب وجسر الشغور، كما وزيارة رئيس الدمية السورية المسماة «ائتلاف وطني» إلى واشنطن، ثم تراجع أميركا عن مواقفها التي أطلقتها قبل أشهر على لسان أوباما وكيري وأقرت بموجبها بأن موقع الرئيس الأسد يستعصي على التجاوز وأنه جزء رئيسي من أي حل سياسي للازمة، لتعود فتقول بأنه فقد الشرعية. ورغم أن سورية لا تكترث بما يقال عن الصفة التمثيلية أو المشروعية التي تتمتع بها هيئاتها الدستورية، ولا تقيم وزنا في الشأن إلا لقرار الشعب السوري وإرادته، فإننا نسوق هذه المواقف للدلالة على التقلب في الموقف الأميركي بما يناسب خطة العدوان الجديدة… هذا في الخطة فماذا عن إمكانات النجاح؟‏

يبدو جليا أن محور المقاومة حاضر الذهن والقدرات لمواجهة العدوان في تقلباته وخططه، وكما لم يخدع بسلوك المعتدي عندما هدأ زخمه، فإن التهديد والتهويل لن يرهبه. ومن الواضح أن المحور أدرك الخطة الجديدة ووضع ما يناسبها في الميدان وفي السياسة من ردود تؤدي إلى إجهاضها كما أجهضت الخطط الثلاث السابقة بدءا بخطة الإخوان وانتهاء بخطة الدواعش مرورا بخطة السعودية البندرية.‏

وفي الرد الأولي نجح محور المقاومة في احتواء الهجوم الميداني بشكل أدى إلى الإمساك بزمام المبادرة في الميدان ومنع استقرار الإرهابيين في المناطق التي دخلوها مؤخرا في منطقة الشمال الغربي تمهيدا لطردهم منها، عملاً باستراتيجية دفاعية تقضي بحرمان العدو من تحقيق حلمه في اقتطاع ارض يقيم عليها دويلة تنازع الحكومة الشرعية في دمشق مواقعها، وأن ما اعد لهذا الشأن بلغ حد الطمأـنينة الكاملة في النفوس إلى نجاح الرد السوري في إجهاض الحلم العدواني بالرد المعاكس المؤثر ميدانيا وعلى صعيد الحرب النفسية.‏

ومن جانب آخر يصر محور المقاومة ومن معه، على رفض مشروع تفتيت المنطقة واستعمارها رفضا ينبئ بأن المشروع لن يمر لان المدافع يملك من القوة والعزيمة ما يتفوق به على المعتدي، وخاصة بعد المتغيرات الأخيرة وما رفقها من قرارات تؤكد إدخال طاقات وقوى جديدة في الميدان كافية لإجهاض الخطة الأميركية الجديدة. ما يمكن محور المقاومة من التأكيد على قدرته على النصر كما أكدها في السابق. رغم قساوة المواجهة في الشهرين المقبلين لكنها ليست اقسى مما سبق.‏

بقلم: أمين حطيط

انظر ايضاً

القلمون.. عمليات ما قبل المعركة الأساسية وتداعياتها- صحيفة الثورة

قل أن حازت معركة أو جبهة في سورية منذ بدء العدوان عليها بالاهتمام والمتابعة كالتي …