عالية النعيمي: فن العجمي متاح للراغبين في تعلمه خلال ورشة في دار الأسد بدمشق

دمشق-سانا

مدفوعة بحبها للفنون الدمشقية الأصيلة أقامت الفنانة عالية النعيمي ورشة عمل لتعليم فن العجمي في زاوية من بهو دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق متيحة الفرصة لتعلم هذا الفن والتعرف على تفاصيله عن قرب سواء بالممارسة أو المشاهدة لكل من يرغب دون قيود أو شروط يوميا من الثانية ظهرا حتى السادسة مساء.

وقالت النعيمي لسانا الثقافية أن ورشتها المستمرة حتى السادس والعشرين من تشرين الأول القادم تعرض مراحل العمل في هذه الحرفة التي تستغرق وقتا لإنجازها تبدأ من مرحلة التأسيس ثم اختيار التصميم المناسب سواء زخرفة نباتية أو هندسية أو آية قرآنية بما يتناسب مع مقاس اللوحة التي نريد انجازها ثم نرسم الشكل على اللوحة ونضع عليها مادة النباتة النافرة وعندما تجف نلونها بشكل كامل ثم نقسمها إلى مساحات مغلقة وهو ما يسمى عملية التبقيج فنوزع الألوان فيها.. أما المساحة النافرة فيتم تلوينها باللون الذهبي أو الفضي أو البرونزي لنصل الى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة القطع أي تحديد الزخارف والرسوم النافرة بالقلم الأسود الذي يسمى ريشة قطع.

ولفتت الفنانة المشرفة على الورشة إلى أنها تنفق من حسابها الخاص على تكاليف مواد الورشة فتوءمن الخشب والألوان لكل من يرغب في تعلم هذا الفن والعمل في الورشة ليكون الناس في تماس مباشر مع مهنة يدوية يحبونها قوامها الفن الجميل.

وفي ختام الورشة ستقيم النعيمي معرضا يضم كل ما أنتجته ورشتها من أعمال خلال شهرين ونصف الشهر كاللوحات والأدوات الفخارية والزجاجية وحمالات المصاحف والصناديق الصغيرة التي تم استخدام تقنية جديدة فيها من خلال استخدام العجمي على خشب الجوز مباشرة مع تركه على لونه الطبيعي لتصبح مادة النباتة بلون عاجي أقرب إلى لون الصدف .

وبدأت الفنانة النعيمي بممارسة فن العجمي في مرحلة مبكرة قبل دخولها إلى كلية الفنون الجميلة التي تخرجت منها عام2000 قسم التصوير الزيتي .. فهي تحب الرسم على الحرير والزجاج والمرايا ويستهويها كل ما فيه جمال وفن ولون .. وتطفو على ذاكرتها زياراتها لقصر العظم وكيف كان يستوقفها هذا الفن في البيوت الدمشقية القديمة وكيف كانت تشدها الزخارف فترغب في اقتنائها.

4

وفي الحي الذي تقطنه كانت تستمتع بمراقبة أحد الحرفيين وهو يصنع صندوقا خشبيا وتستفسر منه عن طريقة الصنع فساعدها في أول خطوات التجريب وأمن لها العجينة والمواد الأولية فكانت البداية مع بعض اللوحات والصناديق حتى صارت تطور الزخارف وتضع بصمتها الخاصة باستخدام مواد بديلة.

ولا تخفي الفنانة النعيمي خوفها من ان ينقرض هذا الفن بسبب قلة التشجيع فهو فن يمكن أن يستخدم في المجالس والقصور وصالات الفنادق ولكنها ترغب في عمل اللوحات لكونها قابلة للانتشار أكثر مشيرة الى أن هناك الكثير من الناس لايعرفون هذا الفن وإذا عرفوه فليس لديهم القدرة المادية لاقتناء زخارف العجمي في أسقف وجدران بيوتهم لكونه مكلفا جدا اذ يصل ثمن لوحة قياس 60 ب 70 سم الى ثلاثين ألف ليرة سورية ويعود سبب غلائها إلى أن الألوان الزيتية مكلفة أكثر من ألوان الأكريليك ولكنها تعطي أحساسا أجمل وتعطي امكانية لتداخل الألوان أكثر وتساعد على التدرج وتتالي الألوان.

3

من جانبه قال الفنان صبحي الزين أحد المشرفين على الورشة إنه يأتي في كل يوم زوار جدد ويلتحقون بالورشة ومنهم من يستمر ويتابع مراحل العمل الذي يمر ب12 مرحلة ويحتاج الى وقت طويل بين 15 يوما وشهر لكي يتمكن من اتقان أساسيات فن العجمي الذي يعتبر من الفنون الصعبة والذي تتميز به مدينة دمشق ومنها انتقل إلى كل أنحاء العالم بما فيها اسطنبول وشمال أفريقيا.

وتحدث عن بدايات فن الدهان الدمشقي” العجمي” الذي يعود ابتكاره الى عهد الوليد بن عبد الملك لتزيين اسقف وجدران الجامع الأموي بدمشق ومسجد قبة الصخرة في القدس ومن ثم تم تطوير هذا الفن بتطوير فن الزخرف النباتي الذي يعتبر أساسيا فيه وهذا الزخرف يطعم بالذهب أو الفضة لاعطائه الفخامة وهو فن القصور والمساجد وربما الكنائس ..و يتداخل مع الزجاج المعشق ليعطي فخامة للمكان مع شيء من القدسية فتم استخدام الخط العربي بتداخل الآيات القرآنية وتشكيلها بشكل فني مع زخرف الفن النباتي .

وتابع الزين ان الفنانين الدمشقيين المهرة تم نقلهم إلى اسطنبول بعد الاحتلال العثماني ومنها شع نور فنونهم الزخرفية إلى كل أوروبا وكذلك أثناء حملة محمد علي باشا تم حمل الصناع المهرة والحرفيين قسرا الى القاهرة فنقلوا معهم هذا الفن الذي يحتاج الى صبر كبير ومهارة مشيرا الى أن الدمشقيين على مدار التاريخ معروفون بمهارتهم ابتداء من أبولودور الدمشقي الذي خطط وزخرف قصور روما وانتهاء بأصغر حرفي انتقل الى اي مكان في العالم شرقا أو غربا مبينا ان السفارات السورية في العالم مزخرفة بهذا الفن الجميل لأنه يعطي طابعا مميزا وفخامة للمكان ويعبق بالروح الدمشقية .

5

وتتميز هذه الورشة حسب الفنان الزين بأنها ليست ورشة احترافية أي أن العمل فيها ليس تجاريا بل هو عمل فني بحت يتوج بمنتج فني بكل معنى الكلمة فالورشة تستند الى حرفة العجمي والزخرف النافر ولكنه يضيف اليها من فن الرسم الزيتي الذي تعلمه في كلية الفنون الجميلة والنتيجة هي جملة فنون مكثفة ضمن لوحة يمكن اقتناؤها ونقلها مع الفنان حيثما ذهب ..وعندما توضع إحداها في غرفتنا الخاصة نشعر بتواصل مع التراث وفن الأجداد ما يعطينا تواصلا حضاريا مع مدينتنا التي نعيش فيها.

ويعزو صعوبة العمل إلى الانتظار الذي يتخلله حتى تجف المواد موضحا أن البداية تكون مع مرحلة التأسيس على لوح من الخشب بلاكيه أو لاتيه سميك أو رقيق أو على خشب جوز أو فخار أيضا لكون مادة النباتة المستخدمة طيعة ويمكن استخدامها في أي مكان وهي مادة لزجة قوامها مثل اللبن ممكن تنزيلها بعيدان خاصة.. والخطأ في استخدامها قابل للتصحيح بسهولة قبل وأثناء وبعد العمل ..لافتا الى أن الحصول على شكل نافر يعطينا احساسا مختلفا عن اللوحة المستوية فنراها شبيهة بالعمل ثلاثي الأبعاد لكون الفنان يستثمر البعد الثالث وهذا ما يميز لوحة العجمي عن اللوحة التشكيلية.

كما التقت سانا الثقافية غادة إحدى المشاركات المتدربات خريجة ادب عربي فقالت انها أحبت هذا الفن الجميل الذي كاد ينقرض والذي يشكل هويتنا السورية وهي تأتي كل يوم لمدة ثلاث ساعات لتنجز لوحتها التي شارفت على الانتهاء ..وتشعر بالاستمتاع لكونها تحب الألوان وتفرح عندما تكون قريبة منها وترغب في تلوين وزخرفة قطع فخارية صغيرة بالرغم من أنها لاتجيد الرسم فوجدت في هذه الورشة ان بامكانها مسك الريشة والرسم باشراف فنانين محترفين يوءمنون لها المواد الأولية والنصائح والتشجيع قائلة “نحن في هذه الأزمة أحوج ما نكون الى الفن الذي يسمو بالانسان ويبقى رغم كل شيء”.1

لمى خريجة فنون جميلة شدها هذا الفن الجميل لرغبتها في تعلم المهن اليدوية التي تشتهر بها دمشق ووجدت ضالتها في هذه الورشة التي تعلمت فيها كيفية التعامل مع لوحة العجمي ووضع مادة النباتة عليها حسب المراحل المتبعة مستفيدة من خبرة الفنانين المشرفين.. مشيرة الى انها تعرفت منذ اليوم الأول على مادة النباتة التي قلما يعرفها أحد وجربت التعامل معها عن كثب باشراف الفنان صبحي الزين الذي شجعها وقال ان دراستها للفنون جعلت المادة طيعة في يدها لكونها تعرف حدود اللون وامتداداته.

وترغب لمى بالالتحاق بالورشة لانجاز لوحتها لكون العجمي فنا تراثيا يعبر عن الحضارة الدمشقية وهي تعشق كل فنون الشعوب من تطريز وقيشاني وتطعيم بالصدف والنقش على النحاس وصنع البسط “السدو” فعادت الى مراجع تاريخ الفنون الدمشقية لتكتشف قيمتها التراثية والجمالية متمنية أن تتاح الفرص لاطلاع الجميع على الحرف الدمشقية عن طريق نشر الوعي والتعريف بأهميتها وتقريبها من الناس ليعرفوا قيمتها العالية عالميا .

سلوى صالح

انظر ايضاً

معرض للفنانة عالية النعيمي في ثقافي أبو رمانة

تصوير: جنان بدران