فورد .. وحربة الإرهاب التركية

لم يتوقف الكذب الأميركي على قائمة الوعود بما هو قادم، بل بات يشمل أيضاً لوائح ما كان في الماضي، ولم يقتصر على ما لم يتكشف بعد من خفايا وأسرار، إنما راح يطول حتى ما افتضح سره وتفاصيله، وينسحب على المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين.

فالسفير الأميركي السابق غير المرغوب به في دمشق روبرت فورد – حاله في ذلك حال من سبقه – لم يكتفِ بما تسبب به نتيجة الدور التحريضي الذي مارسه، والمهام اللوجستية المباشرة في دعم الإرهاب ومن يمثله على الأرض السورية، وتحديداً المحمول منه كرأس حربة لحكومة العدالة والتنمية، بل نراه يذهب باتجاه النبش في أكاذيبه الماضية واللاحقة، فيصب نيران اتهاماته لتبرئة صفحته، مصراً على النفخ في القربة المثقوبة ذاتها بالحديث عن تسليح ما ابتدعه حينها من تسمية «المعارضة المسلحة»..!!؟‏

لعبة الابتزاز المتبادل أوصلت إلى الدريئة التي يتبادل عليها الاميركي مع التركي سهامه في صفقة يُشتمُّ منها ماهو ابعد بكثير مما يطفو على السطح حين يتسلل ارهابيو أردوغان تحت غطاء مواجهة داعش في عين العرب ليصبح كلام فورد بحد ذاته مؤشراً اضافياً على تلك الصفقة المريبة ذاتها!!‏

قد لا يستدعي كل ما يتفوه به فورد التعليق، وهو الذي أفاض في ترهات وتخيلات وأضغاث أحلام، وأوغل في التحريض على الإرهاب والقتل والتطرف، لكن بعد غياب قارب الأشهر، يعود إلى الواجهة الإعلامية حاملاً الأسطوانة ذاتها، وفي مخيلته المشاهد التي اصطنعها على مدى سنوات حضوره كعامل مؤجج لما يجري في سورية والمنطقة بمختلف جوانبه وتفاصيله، في التوقيت ذاته التي تعقد فيه إمارته صفقتها الأخطر مع أردوغان وهي التي بنت تراكمات خطوط سياستها على ما قدمه، رغم اقرارها السابق بأنها اضاعت وقتاً طويلاً في تقليب الملفات التي بدت في أغلب الأحيان عقيمة دون جدوى، لينتهي به المطاف حيث تحط رحال إدارته، فيتقاطع معها على الخط ذاته رغم التعديلات في المقاربة،فيستل حربة الإرهاب التركية بنسختها الأردوغانية.‏

في المعادلات التي يحاول فورد مع أركان إدارته إعادة طرحها، كان من المفيد أكثر لو بقي صامتاً، خصوصاً أن حديثه في هذا التوقيت بات أبعد في استهدافاته من حدود التمني والطموح والمحاولة اليائسة للاصطياد في الماء العكر، الذي يغوص فيه، ويصل في بعض جزئياته إلى الغمز من خيارات الإدارة الأميركية ذاتها، في رسالة تطمين عاجلة لمرتزقته الذين فرقتهم رياح التحالف بعد أن غابت توجيهاته وتعليماته وأوامره عنهم، وأن ما أودعه فورد من أسرار لديهم تعود إدارته الى الأخذ فيه!!‏

رسالة فورد ليست حالة استدراكية مؤقتة، ولا هي مجرد رأي بقدر ما تعكس حالة من الشماتة بخيارات استبعاده ، ولا يلغي من اجنداته توقيت توجيهها مع روائح الصفقة الاميركية – التركية.‏

بغض النظر عن فرضية تصفية الحسابات داخل أركان الإدارة الأميركية التي طفت على السطح، وعن كارثية الأخطاء التي ارتكبتها وترتكبها هذه الإدارة، فإن فورد ذاته والقاع الذي تجول فيه إدارته باتا مؤشراً على الدرك الأميركي، ولا سيما حين يتقاطع مع المربع ذاته الذي يجول فيه الكثير من مرتزقته في محمية اردوغان بعد طول امتعاض من الأداء الأميركي، الذي بدا في الكثير من الأحيان خارجاً عن سياق تمنياتهم!!‏

فورد بسجله الأسود يعود كنذير شؤم إضافي على أحداث المنطقة، وكلما أطل برأسه أو عبر أذياله فإن على المنطقة ان تتهيأ لموجة جديدة من التصعيد، لا تخلو من حماقة ورعونة ومغامرة غير محسوبة ومقامرة بالمنطقة ومستقبلها، فتفسح في المجال أمام تداعيات أكثر خطورة وقد أدمنت تلك المرتزقة على إيحاءاته السابقة واللاحقة.‏

الفارق أن فورد يأتي من الأبواب الخلفية، ويحضر في المشهد من زواياه المظلمة، رغم اعتياده على تلك الزوايا في كل مهامه السابقة، فيما الابواب الامامية تشكل ممراً لارهابيي اردوغان حيث يريد أن يعرض خدماته وخبراته لتكون ورقة إضافية للابتزاز يستخدمها مرتزقته الإقليميون الذين أدمنوا توجيهات فورد واعتادوا على أمر عملياته المتحرك.‏

بدعة «المعارضة المسلحة» ومهزلة «المعتدلة» ناقوس سياسي يراد منه التغطية على ثغرات تنفتح على مصراعيها في التحالف الأميركي، ورقعة لتجاذبات، هدفها تصفية حسابات قائمة، وأخرى قيد التداول يتقاسمها الاميركيون وأدواتهم في المنطقة و(شركاؤهم) في تحالفهم الهلامي، فتيل تأجيجها نموذج فورد ومن يجاريه من بقايا الفتات المتناثر من أحلام السلطنة ومشاجب المشيخات، التي تحاول استدراك ما فاتها بالغوص في مستنقعات التمنيات، ولو كانت تحت بند المناكفة أو استكمال ما تبقى من أحقاد دفينة وضغائن ومهمات وظيفية مشبوهة في سياق صفقات تفوح منها رائحة الشهوة للعدوان وماتوقظه من أطماع سيكون الشرارة الاخطر لاشعال المنطقة برمتها.‏

بقلم: علي قاسم